سورة المائدة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)} [المائدة: 5/ 6- 7].
نزلت هذه الآية في التّيمم، وكان الوضوء مفروضا في مكة قبل الهجرة، فكأن الآية لم تزد المؤمنين فيه إلا تلاوته، وإنما أعطتهم الفائدة والرخصة في التّيمم. نزلت في غزوة المريسيع، روى البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت في هذه الغزوة: ثم إن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم استيقظ وحضرت الصبح، فالتمس الماء، فلم يوجد فنزلت: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } الآية.
وروى أحمد والبيهقي عن جابر- وهو حديث حسن- أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الطّهور».
وكان كثير من الصحابة، منهم ابن عمر وغيره يتوضئون لكل صلاة، انتدابا إلى فضيلة. وكذلك كان يفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم جمع بين صلاتين بوضوء واحد، وفي فتح مكة جمع بين الصلوات الخمس بوضوء واحد.
روى أبو داود والترمذي وابن ماجه أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من توضّأ على طهر، كتب له عشر حسنات».
ومعنى الآيتين: يا أيها المؤمنون، إذا أردتم القيام إلى الصلاة، وأنتم محدثون، فعليكم بالوضوء، فإنه فرض أو شرط، إذ لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور.
وإذا كان المرء متوضئا كان الوضوء مندوبا، لما روى رزين من حديث: «الوضوء على الوضوء نور».
وفرائض الوضوء في الآية أربعة: هي غسل الوجه من أعلى منابت شعر الرأس إلى أسفل الذقن، وما بين الأذنين عرضا، وغسل اليدين من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، والمرفق أعلى الذراع وأسفل العضد، ويجب غسل المرفق. ومسح بعض الرأس كالربع، أو كل الرأس، وهو المطلوب عند المالكية والحنابلة، وغسل الرجلين مع الكعبين: وهما العظمان الناتئان عند مفصل السّاق والقدم من الجانبين.
وتطلب النّية والترتيب والموالاة والدّلك والمضمضة والاستنشاق على خلاف في فرضيتها عند أئمة المذاهب.
وينتقض الوضوء بالغائط والبول والريح والنوم، ولمس المرأة بشهوة، ومسّ الفرج بباطن الكف عند الجمهور غير الحنفية.
فإن كنتم مرضى أو مسافرين أو أحدثتم أو واقعتم النساء، ولم تجدوا ماء، أو تضررتم باستعمال الماء، فعليكم بالتيمم بأن ينوي الشخص فرض التّيمم ويمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين، والتّيمم مشروع لكل من الحدث الأصغر والأكبر.
ويجب الغسل: وهو تعميم البدن والرأس بالماء الطاهر، في حال الجنابة باحتلام أو جماع أو ولادة أو حيض أو نفاس، وتجب النّية في الغسل، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}.
والمراد من تشريع الوضوء والتّيمم والغسل هو التيسير على الناس، وإتمام النعمة ببيان طريق العبادة الصحيح المفضل، وتطهير الأعضاء المعرضة عادة للتلوث بالوضوء، وغسل جميع الجسم حال الجنابة ونحوها وهو ما يسمى بالحدث الأكبر لأنه يعتري الجسم بعد هذا الحدث استرخاء وفتور يزولان، بالغسل، والنظافة من الإيمان، فبالغسل تنظّف، وتجديد الحيوية والنشاط.
وهذه الأحكام المشروعة نعمة عظمي من اللّه تعالى لصالح المؤمن، تستوجب الشكر والتقدير لأن فيها طهارة الأبدان وطهارة الأرواح معا، ونعم اللّه كثيرة علينا أن نذكرها، ومن أهمها التوفيق للإسلام وهداية القرآن وجمع الكلمة، وعزّة الحياة، كما علينا أن نذكر العهد المؤكد الذي أقررنا به أمام اللّه، حينما كنا في عالم الذّر، ومضمونه: الإيمان بالله والرسول، والسمع والطاعة، وتقوى اللّه بالتزام الأوامر واجتناب النواهي، واللّه عليم بخفيات الأمور من الأسرار والنوايا التي في الصدور. وفي ذلك توجيه للإخلاص والبعد عن الرّياء في جميع الأعمال الدينية.
أداء الشهادات والحقوق بالعدل:
الإسلام دين الحق والعدل في كل شيء، مع النفس والأهل والقرابة، وجميع الناس حتى الأعداء، والعدل قائم على الخشية من اللّه، وتقوى اللّه في السّر والعلن، والإيمان منبع كل فضيلة، وللمؤمنين الصلحاء جنان الخلد، وللكافرين المكذبين بآيات اللّه نيران الجحيم، والتقوى والتّوكل على اللّه حصن ودرع متين من كل شرّ أو سوء، وشكر النعمة الإلهية على العافية والأمن أمر واجب شرعا وعقلا وأدبا، وكتمان الشهادة وشهادة الزور من أكبر الكبائر.
قال اللّه تعالى:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)} [المائدة: 5/ 8- 11].
نزلت الآية الأخيرة في رأي الجمهور حينما ذهب النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى يهود بني النّضير يستعينهم في دية رجلين قتلهما عمرو بن أمية الضّمري ورجل آخر معه حينما أخبراهما أنهما من الأعداء رهط عامر بن الطفيل الذي جنى على المسلمين وقتلهم في بئر معونة، فنزل الرسول في ظل جدار، فتآمر بنو النضير بينهم على قتله بإلقاء الجدار عليه، فجاء جبريل عليه السّلام وأخبره بخطتهم، فقام من المكان وتوجّه إلى المدينة، ونزلت الآية في ذلك.
ومعنى الآيات: يا أيها المؤمنون، أتقنوا الأعمال وأخلصوا فيها لله ورسوله، وكونوا قائمين بالحق لله تعالى، لا لأجل الناس والرياء، وأدّوا الشهادة بالعدل التّام الذي لا محاباة فيه لقريب أو صديق، ولا جور لأن العدل ميزان الحقوق، وبه سعادة الأمم، وطمأنينة الناس، وبالظلم والجور تنتشر المفاسد ويختل النظام والأمن.
ولا يحملنكم بغض قوم وعداوتهم على ترك العدل فيهم، بل التزموا العدل مع كل الناس، الصديق أو العدو.
والعدل أقرب لاتّقاء اللّه والبعد عن المهالك والمعاصي، واحذروا عقاب اللّه إن وقع منكم الجور والمحاباة، فإن اللّه بصير بأعمالكم، ومجازيكم عليها خيرا أو شرّا.
ثم بيّن اللّه جزاء المستقيمين، وجزاء العصاة، أما جزاء الأولين، فإن اللّه وعد الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا صالح الأعمال التي أمروا بها مغفرة لذنوبهم، أي سترا لها، وأجرا عظيما وهو الجنة ذات الخلود الدائم في نعيمها. وأما العصاة الذين كفروا بالله وتوحيده، وكذّبوا بالآيات الكونية والآيات التنزيلية على الرّسل وأهمها آيات القرآن، فهم أصحاب النار الملازمون لها على الدوام.
والجمع بين هذا الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين هو من أسلوب القرآن الرائع، ليظل الإنسان على وعي وتذكر تامّ لمصير الفريقين، فيرغب في الإيمان والعمل الصالح، ويرهب الوقوع في الكفر وتكذيب آيات اللّه.
ثم ذكّر اللّه المؤمنين والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بنعمة مخصوصة تستوجب التّذكر الدائم على ممرّ الزمان وهي نعمة إنقاذ النّبي القائد ونجاته من مكر الأعداء وتآمرهم والتخطيط للفتك به، سواء من يهود بني النضير، أو من بني ثعلبة وبني محارب في بطن نخل، في الغزوة السابعة: غزوة ذات الرقاع، أو من غورث بن الحارث الذي شهر سيف النّبي الذي أخذه منه، وهمّ بقتله، وهو لا يخاف منه قائلا له: يمنعني اللّه منك وهو حديث صحيح.
فيا أيها المؤمنون، اذكروا نعم اللّه الكثيرة عليكم، بعد التزام التقوى، ومن أعظم تلك النعم أن اللّه تعالى حمى نبيّكم من فتك الأعداء، وصانكم من القتل حيث كنتم قلة، وأعداؤكم كثرة وقوة، فمدّوا إليكم وإلى نبيّكم أيديهم وألسنتهم بالسوء، ولكن اللّه أيّد رسوله ونصر دينه وأتم نوره، وكفاكم الشّر والعدوان في أمر بني النضير وفي هزيمة الأحزاب في غزوة الخندق وغيرها، فاتخذوا من تقوى اللّه وحده عدة وحصنا، تنفعكم وتحميكم من الفتن والشرور وعذاب اللّه، وتوكلوا على اللّه وحده حق التوكل، بعد اتّخاذ الأسباب الدنيوية الواقية من السوء، فمن اتّقى اللّه وتوكّل عليه، حماه من شر الناس وعصمه، وكفاه اللّه ما أهمه، ولا تخشوا الأعداء ولا يغرنكم كيدهم وتفننهم في أساليب الخراب والدمار، فالله معكم وناصركم إن كنتم مؤمنين.
نقض أهل الكتاب المواثيق والعهود الدينية:
إن الوفاء بالعهود الدينية وتنفيذ الواجبات الإلهية سبب لتكفير السيئات ودخول الجنات، والظفر برضوان اللّه تعالى لأنه دليل الإيمان الصحيح وصدق التّدين وقوة الوازع الديني، والإخلال بهذه العهود مؤد للعنة الإلهية والطرد من رحمة اللّه، وقسوة القلوب وجمود النفوس، ونشوب الخصومات والعداوات وإيقاع البغضاء بين خائني العهد في الدنيا، والجزاء الأليم في نار جهنم في عالم الآخرة.
قال اللّه تعالى مبيّنا هذه الظواهر بين أهل الكتاب ليتّعظ بها المسلمون وغيرهم:


{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14)} [المائدة: 5/ 12- 14].
يخبر اللّه تعالى في هذه الآيات عن نقض الإسرائيليين مواثيق اللّه تعالى، فلقد أخذ اللّه العهود والمواثيق على بني إسرائيل بواسطة نبيّهم موسى عليه السّلام، ليعملن بالتوراة، وأمرناه أن يختار اثني عشر نقيبا منهم، يتولون شؤون الأسباط (ذرية يعقوب) ويرعونهم، ويتحسسون أخبار أعدائهم ليقاتلوهم، فخان عشرة منهم العهد، وبقي اثنان، وأخبر اللّه على لسان موسى: أني مؤيّدكم وناصركم على عدوكم، ومطّلع عليكم ومجازيكم على أعمالكم.
ومضمون الميثاق أو العهد الإلهي الشامل: لئن أقمتم الصلاة بشروطها وأدّيتموها أداء كاملا تامّا، وآتيتم الزكاة للمستحقّين وهو شيء من المال كان مفروضا عليهم، وآمنتم إيمانا صادقا برسلي وناصرتموهم، وأقرضتم القرض الحسن من غير ربا ولا فائدة، لأكفرن عنكم سيئاتكم، ولأدخلنكم جنات تجري من تحت غرفها وبساتينها الأنهار، فمن جحد منكم شيئا من هذه الأوامر، وخالف مقتضى الميثاق بعد عقده وتوكيده، فقد أخطأ الطريق الواضح المستقيم الذي هو الدين المشروع من اللّه، وعدل عن الهدى إلى الضلال.
وبسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذناه عليهم، أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى ورحمة اللّه، وغضبنا عليهم، وجعلنا قلوبهم غليظة قاسية شديدة، لا تقبل الحق ولا تتعظ بموعظة، وفسدت أفهامهم وساء تصرفهم في آيات اللّه، وتأوّلوا كلام اللّه على غير وجهه الصحيح وحرّفوه وبدّلوه بالتقديم والتأخير والزيادة والنقص، ونسوا نصيبا مهمّا مما أمروا به في كتابهم، وهو الإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم خاتم الأنبياء والمرسلين، وتركوا العمل به، رغبة عنه، مما يدلّ على سوء فعلهم بأنفسهم، ولا تزال أيها النّبي في مستقبل الزمان تطّلع على خيانات متكررة منهم، إلا قليلا منهم ممن آمن، وحسن إيمانه كعبد اللّه بن سلام وأصحابه.
فاعف واصفح عما صدر منهم من إساءات، وعاملهم بالإحسان، إن اللّه يحب المحسنين ويثيبهم على إحسانهم، والعفو دليل النصر والظفر.
وأخذ اللّه أيضا من الذين قالوا: إنا نصارى ميثاقهم على مؤازرة النّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ومناصرته والإيمان برسالته، ففعلوا كما فعل اليهود قبلهم، وتركوا العمل بأصول دينهم، ونسوا نصيبا مهمّا من تعاليمهم، فكان جزاؤهم إيقاع العداوة والبغضاء بين صفوفهم، فصاروا فرقا متعادين وفئات مختلفين، وستظل العداوة بينهم مستمرة لازمة إلى يوم القيامة، وسوف يخبرهم اللّه بما صنعوا، ويجازيهم على ما اقترفوا بقدر ما يستحقون في عالم الآخرة.
وهذا وعيد واضح توعّدهم اللّه بعقاب الآخرة، وتوبيخ متقدم للعذاب، إذ صنعهم كفر يوجب الخلود في النار.
والعبرة من هذه الأخبار: تحذير المؤمنين من التّشبه بهم وترك تعاليم دينهم، فإن اللّه بالمرصاد لكل من خالف أوامر اللّه وعصى أحكام ربّه.
مقاصد القرآن والرّسالة النّبوية:
لكل كتاب إلهي أهداف عامّة ومقاصد تشريعية، ولكل رسول مهام وخصائص معينة، وقد أبان القرآن الكريم مقاصده وخصائص الرسول المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم بإيجاز، وحصر وصف الرسول بأمرين اثنين: هما البيان الإلهي، والعفو عن كثير مما يكتمه أهل الكتاب، ووصف القرآن بأنه نور وبأنه الهادي إلى الصّراط المستقيم، وبأنه يخرج الناس من الظّلمات إلى النّور.
قال اللّه تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8